موسم توتنهام 2024-2025: بطل أوروبي وحامل الكأس

حين يعود البعض إلى بداية موسم 2024-2025، قد يتذكرون نكات الصيف التي كانت تُتداول عن حظ توتنهام العاثر. ولكن لو قال أحدهم وقتها إن الفريق سينهي الموسم حاملاً كأساً أوروبية بينما يتعرض للخسارة واحتمالية الخروج في نفس الوقت، لما نجا من سخرية المشجعين ولا من تعليقات المحللين. لكن كرة القدم لا تُعنى بالمنطق دائماً. وما قد يبدو مستحيلاً في أغسطس، قد يصبح واقعاً في مايو.
في مايو 2025، كتب توتنهام فصلاً غير متوقع في تاريخه. موسمه لم يكن اعتيادياً، بل كان أقرب إلى قصة خيالية تعج بالتقلبات، وكأنها من تأليف كاتب دراما يهوى الإثارة. نصفه كابوس، ونصفه الآخر حلم جميل. والنتيجة؟ مزيج لا ينسى.
هدف ارتطم بالتاريخ، تماماً كرقاقة بلينكو
21 آذار، اليوم الذي لن ينسى لمشجعين توتنهام، حين لبس الفريق رداء الأبطال، وتوّج ببطولة الدوري الأوروبي، وذلك بعد فوزه على مانشستر يونايتد بهدف نظيف في ملعب سان ماميس الشهير ببلباو. حمل هدف المباراة الوحيد توقيع برينان جونسون، اللاعب الذي لم يكن قائمة النجوم بداية الموسم.
إن تشجيع هذا الفريق يشبه إلى حد بعيد لعبة plinko، اللعبة الكلاسيكية المشهورة في الكازينوهات التقليدية والافتراضية، حيث ترمى رقاقة صغيرة من الأعلى داخل لوح ممتلئ بالمسامير، فتبدأ رحلتها بالارتداد عشوائياً من جانب إلى آخر. لا أحد على الإطلاق يستطيع التنبؤ بمكان سقوط الرقاقة. تصنع هذه اللعبة لحظات مليئة بالتوتر، وتلقى رواجاً كبيراً بين لاعبي الكازينو، لتبدو كأنها أكثر من مجرد لعبة.
الجميل فيها أنها تبدو بسيطة جداً في ظاهرها، لكن خلف كل حركة يوجد احتمال جديد، ومفاجأة لا يمكن التنبؤ بها. وهذا تماماً ما يجعلها جذابة ومليئة بالإثارة. فهناك شعور دائم بأن الأمور قد تسير لصالحك أو تنقلب فجأة، بلا أي مقدمات.
كتب الفريق مجدأ جديداً من خلال هدف في الدقيقة 42، بتسديدة ارتطمت ودخلت شباك المرمى. صنع توتنهام لحظات عظيمة في تاريخه، ورفع الكأس الأوروبية لأول مرة منذ أكثر من أربعين عاماً.
مباراة على طريقة plinko
لم يكن موسم توتنهام في الدوري الإنجليزي شيئاً يُحتفى به، وكأن الفريق كان يلعب نسخة كروية من plinko game، انزلاقات مفاجئة، وارتدادات غير متوقعة، ونهايات مثيرة. أنهى الفريق مشواره في المركز السابع عشر، متفوقاً فقط بمركز واحد على الخروج. أمر كان من الصعب تخيله في بداية الموسم، خصوصاً لنادٍ يصنف بين الستة الكبار.
في اللعبة، لا يملك اللاعب السيطرة على الرقاقة بعد إسقاطها، فقط يتابع رحلتها وهي ترتطم بالمسامير، تصنع مسارها الخاص بلا منطق ولا تخطيط. هذا تماماً ما حدث لتوتنهام؛ فقد الفريق السيطرة في لحظات حاسمة، ووجد نفسه ضحية ارتدادات لم يتوقعها أحد. حتى التعديلات التكتيكية التي حاول المدرب إدخالها كانت تبدو وكأنها محاولة لتوجيه رقاقة في منتصف سقوطها، أي بلا جدوى.
فوضى ممتعة… نوعاً ما
ما يجعل هذا الموسم مثيراً فعلاً هو أنه لم يكن سيئاً أو جيداً، بل مزيجاً غريباً من الاثنين. تخسر أمام شيفيلد، ثم تهزم نابولي. تخسر ثلاث مباريات متتالية، ثم تصمد أمام عمالقة أوروبا.
قد لا يبدو هذا النوع من الأداء جيداً للبعض، لكنه لا شك ممتع للمحايدين، ومصدر دائم للنقاشات والتحليلات.
برينان جونسون: النجم الذي لم يكن في الحسبان
وسط كل هذا الجنون، لمع نجم لم يكن في الحسبان: برينان جونسون. اللاعب الويلزي، الذي لم يتوقع أحد أن يحمل الفريق على أكتافه في لحظاته الحاسمة، أصبح البطل الذي كتب قصة النهائي.
لكن ما فعله جونسون لم يقتصر على هدفه في النهائي، وإن توتنهام هوتسبير الآن يملك لاعباً يمكن البناء عليه. وربما يكتب اللاعب الذي لم يتوقعه أحد فصول المجد القادمة.
الإدارة وسوء التقدير
لا يمكن إلقاء اللوم كله على اللاعبين، فالإدارة بدورها ارتكبت أخطاء كثيرة. قرارات متسرعة، وتغييرات تكتيكية غير منطقية، وتبديل في التشكيلات دون سبب واضح. بدا أحياناً أن الجهاز الفني لا يعرف ما يريده تماماً.
الإصابات أيضاً لعبت دوراً كبيراً، فقد تناوب اللاعبون على الغيابات، وكان من الصعب خلق انسجام مستقر داخل التشكيلة.
ما بعد المجد: إعادة البناء
الآن، أمام توتنهام فرصة ثمينة. ليس فقط بسبب دوري الأبطال، بل لأن الفريق يحتاج لوقفة صريحة. لا بد من إعادة بناء شاملة: دعم الدفاع، وتقوية الوسط، والبحث عن مهاجم يمكنه إنهاء الفرص.
الأمر لا يتطلب معجزة، بل قرارات ذكية، وتخطيط على المدى المتوسط. الفرصة موجودة، لكن السؤال: هل يتعلم النادي من أخطاء الموسم الماضي؟
موسم لا يُنسى
سيبقى موسم 2024-2025 محفوراً في ذاكرة كل مشجع لتوتنهام. موسم جمع بين المتعة والإحباط، بين المجد والانهيار، بين الحظ والعزيمة. وإذا كانت كرة القدم لعبة العواطف والتقلبات، فقد جسد توتنهام هذا المفهوم حرفياً.
في عالم يتجه فيه الجميع إلى التحليل البارد والأرقام، يظل توتنهام أحد الفرق القليلة التي تمنحك مشاعر حقيقية. إنه الفريق الذي لا يمكنك التنبؤ بمصيره، لكنه يمنحك دائماً قصة تستحق المتابعة.
وبعد هذا الموسم، إن تعلّم المتابعون شيئاً، فهو أن توتنهام لا يُمكن توقعه أبداً… ولا بأس في ذلك.